مفهوم الندم وعلاج الشعور بالندم

ما هو الندم؟ كيف يمكن مواجهة الندم وعلاجه؟ هل كثرة الندم مرض؟ هل يمكن أن يكون الشعور بالندم بعد الذنب مفيداً؟ وما هي أنواع الندم؟ وما الفرق بين كل من الندم والشعور بالذنب والشعور بالخزي والعار؟
مفهوم الندم وعلاج الشعور بالندم
تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

الندم في اللغة العربية يعني الأسف والحسرة على أمر انقضى، أو كره الفعل بعد فعله، والندم في اللغة العربية يقترن بالتوبة أيضاً، فالنادم هو من كره فعلاً وتاب عنه وتحسر عليه وحزن له.
والندم في اللغة الإنجليزية Remorse يحمل نفس معناه في اللغة العربية بطبيعة الحال، لكن جذر الكلمة أكثر وضوحاً وتعبيراً عن حالة الندم، فالكلمة مشتقة من اللاتينية على مقطعين "Re بمعنى إعادة أو متكرر، Mordere بمعنى لسعة أو لدغة أو ألم" ليكون معنى الاشتقاق العذاب المتكرر إشارة إلى عذاب الضمير.
إذا كنت تعاني من كثرة الندم وتبحث عن علاج للندم؟ الندم على الزواج أو الندم على الإساءة أو الندم بعد الذنب....إلخ؟ وإذا تساءلت يوماً عن معنى الندم ووجهة نظر علم النفس بمشاعر الندم؟ أو شعرت أن هناك فرقاً بين الندم والشعور بالذنب أو الشعور بالعار؟ إذا كنت تريد أن تفهم الندم للتخلص من مشاعر الحسرة والندامة؟ ستجد أجوبة شافية في هذا المقال.
 

ننصح القارئ أولاً أن يكمل قراءة المقال حتى النهاية لفهم مشاعر الندم بشكل دقيق ما سيساعده على مواجهة الندم وعلاجه، لكننا فضَّلنا أن نبدأ بعلاج مشاعر الندم وطريقة التعامل معها كي يأخذ القارئ زبدة الكلام ونترك له حريه التوسع معنا في حقيقة الندم وعلاقته بالمشاعر المختلفة.

تأكد أن شعورك بالندم ليس وهماً!
قبل أن تفكر بعلاج الندم لا بد أن تحاول تقييم مشاعر الندم بشكل دقيق، أعد التفكير مجدداً وبهدوء بالسبب الذي يدفعك للندم، لا تخلق أعذاراً وهمية لنفسك ولا تكن جلاداً لذاتك في نفس الوقت، اطلب المساعدة والاستشارة لتقييم شعور الندم.
ولا تنسى أن تقرأ الفقرات القادمة لأن فيها معلومات غاية الأهمية عن مشاعر الندم.

اعتذر أولاً
إذا كان سبب شعورك بالندم هو سلوك خاطئ أو فعل ارتكبته بحق غيرك فبادر بالاعتذار قبل كل شيء، حيث أن للاعتذار الصادق مفعول قوي، ومشاعر الندم قد تجعلك أقل جرأة على الاعتذار.

لا تجلد نفسك ولا تبالغ
جلد الذات مشكلة قائمة بحد ذاتها وتحتاج إلى علاج، وإن لم يكن الأمر قد تطور إلى مرض نفسي فعلاج جلد الذات يكمن في أمرين، الأول هو الموضوعية وتحليل الأمور خارج الذهن، أي البحث عن حقائق المشاعر والبوح بها وتجربة تحليلها باستخدام الورقة والقلم، أما الطريقة الثانية للتخلص من جلد الذات فهي الغفران للذات.
وتذكر أن السلوك لا يعبر دائماً عن كيان صاحبة وحقيقة نفسه، هذا لا يعني ألا تكون مسؤولاً عن سلوكك، وإنما ألا تحاسب نفسك بتعسف على تصرفات لا تعبِّر حقاً عنك لكنها صدرت عنك بأي حال.

اغفر لنفسك
أحياناً قد نكون مخطئين وربما تكون أخطاؤنا كبيرة، قد لا يسامحنا المجتمع على أخطائنا، لكننا أولى بمسامحة أنفسنا، امنح نفسك فرصة جديدة لتكون أفضل، واغفر لنفسك ما فات.

اطلب المساعدة
إذا كنت تشعر أن الندم يؤثر على حياتك بشكل سلبي، وإذا كنت تعتقد أنك فقدت السيطرة على شعورك بالندم، فلا تتردد بطلب المساعدة، اطلب المساعدة من صديق حقيقي أو من العائلة إن كنت تعتقد أنهم قادرون على المساعدة، أو اطلب مساعدة تخصصية من مرشد نفسي، واطلب المساعدة من مجتمع حلوها من خلال طرح مشكلتك عبر هذا الرابط، أو تحدث بسرية إلى خبراء ومعالجي موقع حلوها من خلال خدمة ألو حلوها.
 

animate

إن لم تكن تعاني من الندم المزمن أو اضطراب نفسي يشكل الندم سبباً أو نتيجة له فاعلم أن الندم أمر طبيعي بل وصحي، ففي مقال عبر موقع سيكولوجي توداي يرصد الدكتور جاي وينتش Guy Winch Ph.D أهمَّ 10 معلومات عن الندم، نلخصها لكم سريعاً:
1- الندم يؤثر إيجاباً على علاقاتنا بالآخرين، لأن الندم يشكل رادعاً للسلوك المسيء لأصدقائنا وعائلتنا ومجتمعنا، كما أن الندم هو من أقوى دوافع التراجع عن الخطأ إن كان ذلك ممكناً.
2- أسبوعياً يختبر الإنسان خمس ساعات وسطياً من مشاعر الندم والذنب.
3- الندم يشبه منبهاً لا يتوقف عن الرنين، وقد يستمر لفترات زمنية طويلة.
4- الندم يؤثر بشكل سلبي على الإنتاجية والتفكير والإبداع.
5- الشعور بالندم قد يجعل من خياراتك رديئة أو غير ممتعة.
6- الشعور بالندم من أهم الدوافع التي قد تجعلك تعاقب نفسك، وقد تكون العقوبة أشد بكثير من سبب الندم.
7- مشاعر الندم تدفعك لتجنب الأشخاص أو المواضيع أو الأماكن المتعلقة بسبب الندم، من باب الابتعاد عن إثارة الندم أكثر، لكن النتيجة قد تكون عكسية.
8- جعل الآخرين يشعرون بالذنب والندم ربما يساعد في السيطرة على سلوكهم لكنه سيجعلهم مستائين أيضاً، فعندما تعاتب زوجتك على عدم تجهيز وجبة الغداء محاولاً تغذية شعورها بالذنب قد تعتذر وتلتزم بتحضير الغداء في موعده، لكنها ستكون أقل رغبة في تقديم الطعام لك!.
9- الشعور بالندم قد يكون وهمياً تماماً عند البعض، فقد يندمون على أنهم ألحقوا الأذى بشخص ما دون أن يكون ذلك دقيقاً.
10- تخيل أن الشعور بالذنب يجعلك تشعر بزيادة الوزن أو الثقل حرفياً!، الأشخاص الذين يعانون من مشاعر الندم يحسون بزيادة وزنهم أكثر من غيرهم، ويبالغون بتقدير الزيادة!.
 

هل سمعت أحداً يقول لك "أنا لا أندم على شيء"؟!، مع احترامنا الشديد له فإنه كاذب، لأن مشاعر الندم إن لم يكن الإنسان مصاباً باضطراب عقلي من المستحيل ألا يختبرها مرَّة واحدة على الأقل، لكن تفاوت مشاعر الندم في حدتها تبعاً للسبب ولتكوين الشخصية قد يجعلك تعتقد أنك غير قابل للندم!، وأنواع الندم يمكن النظر إليها من خلال النظر إلى المواقف التي تثيرها ومدى امتداد هذه المشاعر زمنياً وتأثيرها على السلوك والشخصية.
ومن الملفت في رأينا أنَّ مشاعر الندم المجردة -ندمٌ فقط دون ذنبٍ أو عار- غالباً ما تنتج عن مواقف بسيطة، فيما تكون مشاعر الندم العميقة والقاسية والمعقدة تعبيراً عن الشعور بالذنب أو الشعور بالعار أو الخزي، وهذا ما سنفسره بالتفصيل في الفقرة القادمة، لكن قبل ذلك نحاول أن نذكر أنواع الندم:

1- علمياً فإن الندم الذي يتطلب تدخلاً علاجياً نوعان، ندم يتحكم به الأنا الأعلى كشعور الفرد أنه فشل في أداء واجبه تجاه غيره أفراداً أو جماعات، وندمٌ يتعلق أكثر بهوية الفرد وشعوره الداخلي تجاه نفسه وشعوره بالفشل أو الخيبة.

2- بناء على ذلك قد نختبر الندم على القرارات المصيرية، كالندم على الزواج أو الندم على اختيار التخصص الجامعي، أو الندم على الهجرة وجميعها تتصل بذواتنا، وقد نختبر الندم على سلوك أو فعل ما، كالندم على ارتكاب جرم أو الندم على الإساءة المستمرة لمن حولنا أو شعور الندم الذي ينتج عن الفضيحة حتى وإن لم يكن مرافقاً للسلوك قبل الفضيحة، وكلها تتفاعل مع شعورنا تجاه الآخرين مع تأثير أكيد على شعورنا تجاه ذاتنا.

3- أما الندم الذي قد لا يتطلب علاجاً بالضرورة والذي نختبره معظمنا فهو الندم على شراء سلعة سيئة، الندم على تفويت فرصة ليست جوهرية،  أو الندم على إضاعة تذكار من شخص ثانوي.

ويجب أن يعلم القارئ أن مشاعر الندم لا تتناسب بالضرورة مع المثير، فشخصية الفرد وتربيته وثقافته وبيئته وحتى زمن الفعل كل ذلك يؤثر على شعور الندم، فالرجل الذي يتعرض لفضيحة جنسية في الشرق الأوسط لن يكون كالمرأة التي تشاركه الفضيحة نفسها من حيث شعورهما بالعار والذنب والندم.
كذلك شعور الرجل بالذنب والعار والندم بسبب مثليته الجنسية لن يكون متساوياً بين الأمريكي والعربي، بل أن الرجل العربي سيختلف اختباره للندم نتيجة ممارسة الشذوذ الجنسي فيما لو كان خارج بيئته وفي بيئة أكثر انفتاحا.
خذ مثلاً السائح الألماني الذي يزور بلداً عربياً مسلماً للمرة الأولى ولا يمتلك معرفة كافية عن ثقافة المجتمع الذي يزوره، عندما يقوم بمد يده ليصافح امرأة محجبة لن يتولد عنده شعور بالندم قبل أن يعرف أنه يخالف معايير هذا المجتمع، وفي نفس الوقت ستختلف مشاعره في الموقف نفسه لو كان في بيئته في ألمانيا، وربما تتفوق مشاعر العنصرية لأنه يعتقد أن هذه المرأة التي رفضت مصافحته هي التي انتهكت قواعد مجتمعه.
 

في حقيقة الأمر فإن معنى الندم في اللغة يفسر بكلمات قليلة نظرة علم النفس إلى مشاعر الندم (العذاب المتكرر)، مع الأخذ بعين الاعتبار أن علم النفس نظر إلى مشاعر الندم من باب المسببات والنتائج، وهذا ما كان واضحاً أكثر في فقرة أنواع وأشكال الندم، كما يميز الباحثون بين ثلاث مصطلحات متداخلة في المعنى، وهي الندم Remorse، الشعور بالذنب Guilt، الشعور بالخزي أو العار Shame.

الخزي أو العار والشعور بالذنب
في دارسة تحليلية لمجموعة من الدراسات التي تناولت الفرق بين الشعور بالذنب وبين مشاعر العار أو الخزي يعتقد الباحثون أنَّ التمييز والفصل بين الندم وبين العار والذنب أمر صعب حتى الآن، والأسهل كان الفصل بين شعور الذنب ومشاعر الخزي من خلال دراسة التجارب والمواقف التي تثير هذه المشاعر، ويمكن أن نلخص أهم الفروق بين مشاعر الذنب ومشاعر الخزي كالآتي:
الشعور بالذنب أكثر اتصالاً بالذات والمشاعر الداخلية، وأكثر تأثراً بنظرة الإنسان لذاته، فيما يتصل الشعور بالعار والخزي أكثر بالمشاعر الاجتماعية التي تتعلق بالمعايير العامة ورفض الآخرين كالفضائح مثلاً.
فالسرقة بحد ذاتها تثير الشعور بالذنب الذي يكون الندم جزء منه، فيما لو عرف الآخرون بأمر السرقة تتطور المشاعر لمرحلة العار، حتى وإن لم تكن السرقة موجودة أصلاً، أي حتى لو كان المتهم بريئاً فإنه قد يشعر بالخزي والعار نتيجة نظرة الجماعة إليه، لكنه لن يشعر بالذنب أو الندم بالضرورة على شيء لم يرتكبه إن لم يكن مضطرباً أو مفرط الحساسية!.
فالشعور بالذنب تجربة خاصة تتعلق بالضمير الفردي أكثر من مشاعر الخزي والعار، والندم هو الشعور المرافق غالباً في الحالتين ومع مشاعر الذنب أكثر، كما أن الشعور بالذنب يكون أكثر ارتباطاً بسلوك معين، فيما تبقى مشاعر الخزي والعار مرتبطة بالهوية الذاتية ونظرة الآخرين سواء كان السلوك واقعاً أم لم يكن، أي سواء كان من يشعر بالعار مذنباً أم بريئاً!.
 

ومع وجود هذه المعايير للتميز بين الشعور بالخجل الاجتماعي أو العار والشعور بالذنب إلا أنها لا يمكن اعتباراها أدوات قاطعة، لنجرب معاً تجربة بسيطة، فكر بالأفعال التالية أيها سيولد الشعور بالذنب وأيها سيولد شعوراً بالعار والخزي، وتذكر أن الندم سيكون في أغلب هذه الحالات ملازماً:

- محاسب مرتبات سرق مرتبات الموظفين وهرب إلى دولة أخرى، بعد سنة علم أن الشركة اضطرت إلى تسريح 20 موظفاً نتيجة معاناتها من ضائقة مادية، وعلم أن أحد الموظفين أحرق نفسه أمام باب الشركة، هل سيشعر بالعار أم بالذنب؟.
- فتاة مراهقة دخلت في علاقة مع شاب عبر الانترنت قام بتصويرها عارية ونشر الصور على مواقع إباحية، هل ستشعر بالعار أم بالذنب؟.
- رجل يقود سيارته على الطريق السريع دهس قطة ولم يره أحد، هل سيشعر بالذنب أم بالعار؟.
- طفل صغير سرق من زميله قلمه المميز، وتمت معاقبته أمام المدرسة، ما هو شعوره؟.
- مدير شركة قام بشتم السائق لأنه تأخر عن موعده، من منهما سيشعر بالذنب ومن منهما سيشعر بالعار؟.
- فتاة تعرضت للاغتصاب، وتوصل أهلها لاتفاق مع المغتصب أن يتزوجها، أمام المأذون من سيشعر أنه يتخلص من شعوره بالذنب، ومن سيشعر أنه يتخلص من شعور الخزي أو العار؟.
- في قصة حقيقية قام أمين صندوق فلاديلفيا في الولايات المتحدة الأمريكية بإطلاق النار في فمه خلال مؤتمر صحفي بعد اتهامه بالرشوة والاحتيال، ومعظم الدلائل أشارت إلى أن الرجل كان بريئاً من الاتهام، ترى هل ما دفعه للانتحار شعوره بالذنب أو بالعار؟!.